فصل: 235- قولهم في حد البلوغ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (نسخة منقحة)



.231- هل تنسخ السنة بالقرآن؟

واختلفوا في القرآن: هل ينسخ بالسنة أم لا؟ على ثلاث مقالات:
1- فقال قائلون: لا ينسخ القرآن إلا قرآن وأبوا أن تنسخه السنة.
2- وقال قائلون: السنة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخها.
3- وقال قائلون: القرآن ينسخ السنة والسنة تنسخ القرآن.

.232- هل يكون لفظ: افعلوا أمرا بظاهره؟

واختلفوا هل يكون قول الله-عز وجل-: {وَافْعَلُوا} أمرًا بنفس ظاهره أم لا؟
1- فثبت ذلك مثبتون.
2- وقال قائلون: لا حتى يدل على أنه فرض ذلك الشيء.

.233- من يجوز له أن يجتهد؟

القول فيمن له أن يجتهد:
1- قال أهل الاجتهاد: لا يجوز الاجتهاد إلا لمن علم ما أنزل الله-عز وجل- في كتابه من الأحكام وعلم السنن وما أجمع عليه المسلمون حتى يعرف الأشياء والنظائر ويرد الفروع إلى الأصول.
وقالوا في المستفتي: إن له أن يفتي فيقلد بعض المفتين.
2- وقال بعض أهل القياس: ليس للمستفتي أن يقلد وعليه أن ينظر ويسأل عن الدليل والعلة حتى يستدل بالدليل ويتضح له الحق.

.234- هل يكون ما علم بالاجتهاد دينا؟

القول فيما يعلم بالاجتهاد: هل يكون دينا؟
1- قال قائلون: هو دين.
2- وقال قائلون: ليس بدين.

.235- قولهم في حد البلوغ:

واختلف الناس في البلوغ؟
1- فقال قائلون: لا يكون البلوغ إلا بكمال العقل, ووصفوا العقل فقالوا: منه علم الاضطرار الذي يفرق الإنسان به بين نفسه وبين الحمار وبين السماء وبين الأرض وما أشبه ذلك ومنه القوة على اكتساب العلم.
وزعموا أن العقل الحس نسميه عقلًا بمعنى أنه معقول وهذا قول أبي الهذيل.
2- وقال قائلون: البلوغ هو تكامل العقل والعقل عندهم هو العلم وإنما سمي عقلًا لأن الإنسان يمنع نفسه به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه وأن ذلك مأخوذ من عقال البعير وإنما سمي عقاله عقالًا لأنه يمنع به.
وزعم صاحب هذا القول أن هذه العلوم كثيرة منها اضطرار وأنه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل كنحو تفكر الإنسان إذا شاهد الفيل أنه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته فنظر في ذلك وفكر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغًا ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمل الله- سبحانه- له العقل ويخلقه فيه ضرورة فيكون بالغًا كامل العقل مأمورًا مكلفًا.
ومنع صاحب هذا القول أن تكون القوة على اكتساب العلم عقلًا غير أنه وإن لم تكن عنده عقلًا فليس بجائز أن يكلف الإنسان حتى يتكامل عقله ويكون مع تكامل عقله قويًا على اكتساب العلم بالله.
وزعم صاحب هذا القول أنه لا يجب على الإنسان التكليف ولا يكون كامل العقل ولا يكون بالغًا إلا وهو مضطر إلى العلم بحسن النظر وأن التكليف لا يلزمه حتى يخطر بباله أنك لا تأمن إن لم تنظر أن يكون للأشياء صانع يعاقبك بترك النظر أو ما يقوم مقام هذا الخاطر من قول ملك أو رسول أو ما أشبه ذلك فحينئذ يلزمه التكليف ويجب عليه النظر والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي.
3- وقال قائلون: لا يكون الإنسان بالغًا كاملًا داخلًا في حد التكليف إلا مع الخاطر والتنبيه وأنه لا بد في العلوم التي في الإنسان والقوة التي فيه على اكتساب العلوم من خاطر وتنبيه وإن لم يكن مضطرًّا إلى العلم بحسن النظر وهذا قول بعض البغداديين.
4- وقال قائلون: لا يكون الإنسان بالغًا إلا بأن يضطر إلى علوم الدين فمن اضطر إلى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والأمر عليه واجب ومن لم يضطر إلى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الأطفال وهذا قول ثمامة بن أشرس النميري.
5- وأكثر المتكلمين متفقون على أن البلوغ كمال العقل.
6- وقال كثير من المتفقهة: لا يكون الإنسان بالغًا إلا بأحد شيئين إما أن يبلغ الحلم مع سلامة العقل أو تأتي عليه خمس عشرة سنة وذهب ذاهبون إلى سبع عشرة سنة.
7- وقد شذ عن جملة الناس شاذون فقالوا: لا يكون الإنسان بالغًا ولو أتت عليه ثلاثون سنة وأكثر منها مع سلامة العقل حتى يحتلم.

.اختلاف الناس في الأسماء والصفات:

وهذا ذكر اختلاف الناس في الأسماء والصفات:
الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الذين نفوا صفات رب العالمين وقالوا أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له وأنه لا علم له ولا قدرة ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له ولا عز له ولا جلال له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله-عز وجل- التي يوصف بها لنفسه وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعًا لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قديم وعبروا عنه بأن قالوا: نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للبارئ علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره من ذلك ولأفصحوا به غير أن خوف السيف يمنعهم من إظهار ذلك.
وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي كان ينتحل قولهم فزعم أن البارئ- سبحانه- عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة.
ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس.

.236- هل الصفات هي الله تعالى؟

وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافًا تشتتت فيه أهواؤهم واضطربت فيه أقاويلهم:
1- فقال شيخهم أبو الهذيل العلاف: إن علم البارئ- سبحانه- هو هو.
وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان قوله في سائر صفات ذاته.
وكان يزعم أنه إذا زعم أن البارئ عالم فقد ثبت علمًا هو الله ونفى عن الله جهلًا ودل على معلوم كان أو يكون.
وإذا قال أن البارئ قادر فقد ثبت قدرة هي الله ونفى عن الله عجزًا ودل على مقدور يكون أو لا يكون وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب.
وكان إذا قيل له: حدثنا عن علم الله- سبحانه- الذي هو الله أتزعم أنه قدرته أبى ذلك فإذا قيل له: فهو غير قدرته أنكر ذلك وهذا نظير ما أنكره من قول مخالفيه: إن علم الله لا يقال هو الله ولا يقال غيره. وكان إذا قيل له: إذا قلت: إن علم الله هو الله فقل أن الله تعالى علم ناقض ولم يقل أنه علم مع قوله أن علم الله هو الله.
وكان يسأل الثنوية فيقول لهم: إذا قلتم إن تباين النور والظلمة هو هما وأن امتزاجهما هو هما فقولوا: إن التباين هو الامتزاج.
وكان يسأل من يزعم أن طول الشيء هو هو وكذلك عرضه: هل طوله هو عرضه؟ وهذا راجع عليه في قوله: إن علم الله هو الله وأن قدرته هي هو لأنه إذا كان علمه هو هو وقدرته هي هي فواجب أن يكون علمه هو قدرته وإلا لزم التناقض كما لزم أصحاب الاثنين.
وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه أن البارئ علم كله قدرة كله حياة كله سمع كله بصر كله فحسن اللفظ عند نفسه وقال: علمه هو هو وقدرته هي هو.
وكان يقول أن لمقدورات الله ومعلوماته مما يكون ومما لا يكون كلًا وغاية وجميعًا كما أن لما كان كلًا وجميعًا وأن أهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكونًا دائمًا لا يتحركون وكان يقول بانقطاع الأكل والشرب والنكاح.
وكان أبو الهذيل إذا قيل له: أتقول أن لله عالمًا قال: أقول أن له علمًا هو هو وأنه عالم بعلم هو هو وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات فنفى أبو الهذيل العلم من حيث أوهم أنه ثبته وذلك أنه لم يثبت إلا البارئ فقط.
وكان يقول: معنى أن الله عالم معنى أنه قادر ومعنى أنه حي أنه قادر وهذا له لازم إذا كان لا يثبت للبارئ صفات لا هي هو ولا يثبت إلا البارئ فقط.
وكان إذا قيل له: فلم اختلفت الصفات فقيل عالم وقيل قادر وقيل حي قال: لاختلاف المعلوم والمقدور.
وحكى عنه جعفر بن حرب أنه كان لا يقول أن الله- سبحانه- لم يزل سميعًا ولا بصيرًا لا على أن يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر.
2- فأما النظام فإنه كان ينفي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وصفات الذات ويقول: إن الله لم يزل عالمًا حيًّا قادرًا سميعًا بصيرًا قديمًا بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وقدم وكذلك قوله في سائر صفات الذات.
وكان يقول: إذا ثبت البارئ عالمًا قادرًا حيًّا سميعًا بصيرًا قديمًا أثبت ذاته وأنفي عنه الجهل والعجز والموت والصمم والعمى وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب.
فإذا قيل له: فلم اختلف القول عالم والقول قادر والقول حي وأنت لا تثبت إلا الذات فما أنكرت أن يكون معنى عالم معنى قادر ومعنى حي قال: لاختلاف الأشياء المتضادات المنفية عنه من الجهل والعجز والموت فلم يجب أن يكون معنى عالم معنى قادر ولا معنى عالم معنى حي.
وكان يقول: إن قولي: عالم قادر سميع بصير إنما هو إيجاب التسمية ونفي المضاد.
وكان إذا قيل له: تقول إن لله علمًا؟ قال: أقول ذلك توسعًا وأرجع إلى تثبيته عالمًا وكذلك أقول: لله قدرة وأرجع إلى إثباته قادرًا.
وكان لا يقول: له حياة وسمع وبصر لأن الله- سبحانه- أطلق العلم فقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وأطلق القوة فقال: {أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] ولم يطلق الحياة والسمع والبصر.
وكان يقول: إن الإنسان حي قادر بنفسه لا بحياة وقدرة كما يقول في البارئ- سبحانه- ويقول: إنه عالم بعلم وأنه قد يدخل في الإنسان آفة فيصير عاجزًا ويدخل عليه آفة فيصير ميتًا.
3- وأما ضرار بن عمرو فكان يقول: أذهب من قولي أن الله- سبحانه- عالم إلى نفي الجهل ومن قولي قادر إلى نفي العجز وهو قول عامة المثبتة.
4- وأما معمر فحكى عنه محمد بن عيسى السيرافي النظامي أنه كان يقول: إن البارئ عالم بعلم وأن علمه كان علمًا له لمعنى وكان المعنى لمعنى لا إلى غاية وكذلك قوله في سائر صفات الذات فقال في الله-عز وجل- بالمعاني وأنه عالم لمعان لا نهاية لها قادر حي سميع بصير لمعان لا غاية لها أخبرني بذلك عن محمد بن عيسى أبو عمر الفراتي.
5- وقال هشام بن عمرو الفوطي أن الله لم يزل عالمًا قادرًا حيًّا وكان إذا قيل له: أتقول أن الله لم يزل عالمًا بالأشياء أنكر ذلك وقال: أقول أنه لم يزل عالمًا أنه واحد ولا أقول بالأشياء لأن قولي بالأشياء إثبات أنها لم تزل وقولي أيضًا بأن ستكون الأشياء إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود.
وكان يقول: إن ما عدم وتقضى شيء ولا أقول أن ما لم يكن ولك يوجد شيء.
وكان لا يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل ولا يقول: إن الله يعذب بالنار.
وهذه العلة التي اعتل بها هشام في العلم أخذها عن بعض الأزلية لأن بعض الأزلية يثبت قدم الأشياء مع بارئها وقالوا: قولنا لم يزل الله عالمًا بالأشياء يوجب أن تكون الأشياء لم تزل فلذلك قلنا بقدمها فقال الفوطي: لما استحال قدم الأشياء لم يجز أن يقال لم يزل عالمًا بها وكان لا يثبت لله علمًا ولا قدرة ولا حياة ولا سمعًا ولا بصرًا ولا شيئًا من صفات الذات.
6- وأنكر أكثر الروافض أن يكون الله- سبحانه- لم يزل عالمًا وكانت أقيس لقولها من الفوطي فقالت بحدث العلم.
7- وقالت عامة الروافض إلا شرذمة قليلة: إن الله- سبحانه- لا يعلم ما يكون قبل أن يكون.
8- وفريق منهم يقولون: لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أنه أراد عندهم تحرك حركة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.
9- وفريق منهم يقولون: لا يعلم الله الشيء حتى يحدث له إرادة فإذا أحدث له الإرادة لأن يكون كان عالمًا بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالمًا بأنه لا يكون وإن لم يحدث الإرادة لأن لا يكون ولا لأن يكون لم يكن عالمًا بأنه يكون ولا عالمًا بأنه لا يكون.
10- ومنهم من يقول: معنى يعلم هو معنى يفعل فإن قلت لهم: تقولون أنه لم يزل عالمًا بنفسه؟ اختلفوا, فمنهم من يقول: لم يكن يعلم نفسه حتى خلق العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم نفسه فإن قلت لهم: فلم يزل يفعل؟ قالوا: نعم ولا نقول يقدم الفعل.
11- ومنهم من يقول: العلم صفة لله- سبحانه- في ذاته وأنه عالم في نفسه غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل: عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس وهذا قول يحكى عن السكاكية.
12- وفريق يقولون: لم يزل الله عالمًا والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه الشيء ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال عاقل ولا يقال عقل الشيء ما لم يرد عليه.
13- وحكى الجاحظ أن هشام بن الحكم قال: إن الله- سبحانه- إنما علم ما تحت الثرى بالشعاع المنفصل منه الذاهب في عمق الأرض فلولا ملامسته لما هناك بشعاعه لما درى ما هناك فزعم أن بعضه مشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه.
14- وطائفة يقولون: أن معبودهم لا يوصف بأنه لم يزل قادرًا ولا إلهًا ولا ربًا ولا عالمًا ولا سميعًا ولا بصيرًا حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة على غير شيء.
15- وحكى حاك أن قائلا من المشبهة: إن البارئ لم يزل حيا ثم صار حيا.
16- وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء ويزعمون لأنه تبدو له البدوات ويقول بعضهم: قد يأمر ثم يبدو له وقد يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء وليس على معنى النسخ ولكن على معنى أنه لم يكن في الوقت الأول عالمًا بما يحدث له من البداء.
17- وسمعت شيخًا من مشايخ الرافضة وهو الحسن بن محمد بن جمهور يقول: ما علمه الله- سبحانه- أن يكون ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه فجائز أن يبدو له فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز أن يبدو له فيه.
18- وقالت طائفة: أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يعصي ممن يطيع حال بين العاصي وبين المعصية.
19- وقالت طائفة من المعتزلة: إن الوصف لله بأنه سميع من صفات الذات غير أنه لا يقال يسمع الشيء في حال كونه وقد ذهب إلى هذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي وزعم أنه يقال: إن الله لم يزل سميعًا ولا يقال: لم يزل سامعًا ولا يقال: لم يزل يسمع فيلزمه إذا لم يقل البارئ لم يزل سامعًا أن يقول: لم يزل لا سامعًا وإذا لم يقل: لم يزل يسمع أن يقول: لم يزل لا يسمع وإذا لم يقل: لم يزل مبصرًا مدركًا أن يقول: لم يزل لا مبصرًا ولا مدركًا كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالمًا أن يقول: لم يزل لا عالما.
وكذلك يلزم عبادًا في إنكاره القول: إن الله لم يزل سميعًا بصيرًا أن يقول: إن الله غير سميع ولا بصير كما ألزم من لم يقل: إن الله لم يزل عالمًا قادرًا أن يقول: لم يزل غير عالم ولا قادر.
ويقال له: أليس لا تقول: إن الله لم يزل سميعًا ولا تلزم نفسك أن يكون له سمع محدث؟ فما الذي تنفصل به من مخالفيك إذا أنكروا القول: إن القديم لم يزل عالمًا ولم يقولوا: إنه ذو علم محدث؟
20- وقال شيطان الطاق وكثير من الروافض: أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما من قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئًا حتى يقدره وينشئه بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.
21- وحكى أبو القاسم البلخي عن هشام بن الحكم أنه كان يقول: محال أن يكون الله لم يزل عالمًا بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالمًا وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه ولا يجوز أن يقال في العلم: إنه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة عنده لا توصف. قال: ولو كان لم يزل عالمًا لكان المعلوم لم يزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود.
قال: ولو كان عالمًا بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار.
وليس قول هشام في القدرة والحياة قوله في العلم إلا أنه لا يقول بحدثهما ولكنه يزعم أنهما صفتان لله لا هما الله ولا هما غيره ولا هما بعضه وإنما نفى أن يكون عالمًا لما ذكرناه وحكى حاك أن قول هشام في القدرة كقوله في العلم.
22- وقال جهم: إن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن الله يكون عالمًا بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم يحدثه قبلها.
وحكى عنه حاك خلاف هذا فزعم أن الذي بلغه عنه أنه كان يقول: إن الله يعلم الشيء في حال حدوثه ومحال أن يكون الشيء معلومًا وهو معدوم لأن الشيء عنده هو الجسم الموجود وما ليس بموجود فليس بشيء فيعلم أو يجهل فألزمه مخالفوه أن لله علمًا محدثًا إذ زعم أن الله قد كان غير عالم ثم علم ويجب على أصله أن يقول في القدرة والحياة كقوله في العلم.